فصل: رحلة زين الدين نائب الموصل إلى أربل واستبداد قطب الدين بملكه.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.فتح نور الدين صافيتا وعريمة ومنبج وجعبر.

ثم جمع نور الدين عساكره سنة اثنتين واستدعى أخاه قطب الدين من الموصل فقدم عليه بحمص ودخلوا جميعا بلاد الإفرنج ومروا بحصن الأكراد واكتسحوا نواحيه ثم حاصروا عرقة وخرجوا جكة وفتحوا العريمة وصافيتا وبعثوا سراياهم فعاثت في البلاد ورجعوا إلى حمص فأقاموا بها إلى رمضان وانتقلوا إلى بانياس وقصدوا حصن حموص فهرب عنه الإفرنج فهدم نور الدين سوره وأحرقه واعتزم على بيروت فرجع عنه أخوه قطب الدين إلى الموصل وأعطاه نور الدين من عمله الرقة على الفرات ثم انتقض بمدينة منبج غازي بن حسان وبعث إليها العساكر فملكها عنوة وأقطعها أخاه قطب الدين نيال بن حسان وبقيت بيده إلى أن أخذها منه صلاح الدين بن أيوب ثم قبض بنو كلاب على شهاب الدين ملك بن علي بن مالك العقيلي صاحب قلعة جعبر وكانت تسمى دوس ثم سميت باسم جعبر بانيها وكان السلطان ملك شاه أعطاه لجده عندما ملك حلب كما مر في أخباره ولم تزل بيده ويد عقبه إلى أن هلك هذا فخرج يتصيد سنة ثلاث وستين وقد أرصد له بنو كلاب فأسروه وحملوه إلى نور الدين محمود صاحب دمشق فاعتقله مكرما وحاوله في النزول عن جعبر بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى فأبى وبعث بالعساكر مع الأمير فخر الدين محمود بن أبي علي الزعفراني وحاصرها مدة فامتنعت فبعث عسكرا آخر وقدم على الجميع الأمير فخر الدين أبا بكر ابن الداية رضيعه وأكبر أمرائه فحاصرها فامتنعت ورجع إلى ملاطفة صاحبها فأجاب وعوضه نور الدين عنها سروج وأعمالها وساحة حلب ومراغة وعشرين ألف دينار وملك قلعة جعبر سنة أربع وستين وانقرض أمر بني مالك منها والبقاء لله وحده.

.رحلة زين الدين نائب الموصل إلى أربل واستبداد قطب الدين بملكه.

قد كان تقدم لنا أن نصير الدين جقري كان نائب الأتابك زنكي بالموصل وقتل البارسلان ابن السلطان محمود آخر سنة تسع وثلاثين وخمسمائة طمعا في الملك لغيبة الأتابك فرجع من غيبته في حصار البيرة وقدم مكانه زين الدين علي بن كمستكين بقلعة الموصل فلم يزل بها بقية أيام الأتابك وأيام ابنه غازي وابنه الآخر قطب الدين سنة ثمان وخمسين على وزيرهم جمال الدين محمد بن علي بن منصور الأصبهاني فاعتقله وهلك لسنة من الإعتقال وحمل إلى المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم فدفن بها في رباط هناك أعده لذلك وكانت وفاته أيام سيف الدين غازي بن قطب الدين فولي مكانه جلال أبا الحسن ابنه وكان زين الدين علي بن كمستكين ويعرف بكجك قد استبد في دولة قطب الدين واستغل بحكم الدولة وصارت بيده أكثر البلاد اقطاعا مثل أربل وشهرزور والقلاع التي في تلك البلاد الهكارية منها العمادية وغيرها والحميدية وتكريت وسنجار وقد كان نقل أهله وولده وذخائره إلى أربل وأقام بمحلها نيابته من قلعة الموصل فأصابه الكبر وطرقه العمى والصمم فعزم على مفارقة الموصل إلى كسر بيته بأربل فسلم جميع البلاد التي بيده إلى قطب الدين ما عدا أربل وسار إليها سنة أربع وستين وأقام قطب الدين مكانه فخر الدين عبد المسيح خصيا من موالي جده الأتابك زنكي وحكمه في دولته فنزل بالقلعة وعمرها وكان الخراب قد لحقها بإهمال زين الدين أمر البناء والله تعالى أعلم.

.حصار نور الدين قلعة الكرك.

ثم بعث صلاح الدين سنة خمس وستين إلى نور الدين محمود يطلب إنفاذ أبيه نجم الدين أيوب إليه فبعثه في عسكر واجتمع إليه خلق من التجار ومن أصحاب صلاح الدين وخشي عليهم نور الدين في طريقهم من الإفرنج فسارت العساكر إلى الكرك وهو حصن إختطه من الإفرنج البرنس إرقاط وإختط له قلعة فحاصره نور الدين وجمع له الإفرنج فرحل إلى مقدمتهم قبل أن يتلاحقوا فخاموا عن لقائه ونكصوا على أعقابهم وسار في بلادهم فاكتسحها وخرب ما مر من القلاع وانتهى إلى بلاد المسلمين حتى نزل حوشب وبعث نجم الدين من هنالك إلى مصر فوصلها منتصف خمس وستين وركب العاضد ولما كان نور الدين بعشيرا سار للقاء شهاب الدين محمد بن الياس بن أبي الغازي بن أرتق صاحب قلعة أكبره فلما انتهى إلى نواحي بعلبك لقي سرية من الإفرنج فقاتلهم وهزمهم واستلحمهم وجاء بالأسرى ورؤس القتلى إلى نور الدين وعرف الرؤس مقدم الإستبان صاحب حصن الأكراد وكان شجى في قلوب المسلمين وبلغه وهو بهذا المنزل خبر الزلازل التي عمت البلاد بالشام والموصل والجزيرة والعراق وخرجت أكثر البلاد بعمله فسار إليها وشغل في إصلاحها من واحدة إلى أخرى حتى أكملها بمبلغ جهده واشتغل الإفرنج بعمارة بلادهم أيضا خوفا من غائلته والله تعالى أعلم.